ليلى .. لحظة تأمل فى عالم صلاح عبد الصبور المسرحى – كتبه طارق مرسي

ليلى .. لحظة تأمل فى عالم صلاح عبد الصبور المسرحى

عالم صلاح عبد الصبور من البراح بما يغرى مريديه من المسرحيين للولوج فى شعابه ودروبه شديدة العمق ذات الدلالات المتدفقة فى نظام بديع لتخلق رسائل واضحة المعالم ليس بها التباس وتشويه يطمس عين المتلقى ويبعده عن ما يريد ان يرسخ فى العقل بعد مغادرة صالة العرض المسرحى .. ولهذا لا يمر موسم مسرحى الا ونرى تجربه او اكثر من مسرح صلاح عبد الصبور الذى يقطر عشقا للوطن وهذا جليا فى نصوصه التى تحمل هموم الوطن وهموم ابناءه من المقهورين مشهره كل سيوف ونصال الكلمات فى وجه كل الاوضاع المجتمعية الجائرة .
ربما هذا التوجه هو ما دفع ” ياسر ابو العنين ” الدرامتورج لصناعة نص ( ليلى ) الذى قام بغزله ونسج خيوطه من ثلاثة نصوص لصلاح عبد الصبور هى ( ليلى والمجنون – مأساة الحلاج – مسافر ليل ) محاولا ان يصنع صورة مكتاملة الاركان لرؤية صلاح عبد الصبور فى علاقة الحاكم بالمحكوم فى مجتمعاتنا العربية وطرح اشكاليات تلك العلاقة والتى مازلت مستعصية عن الحل وكأن ما طرحه هذا الشاعر الكبير من ما يقرب من الخمسين عاما هو ملخص لوضعنا الراهن الملتبس من وجهة نظر الدرامتورج ياسر ابو العنين الذى اتخذ من ليلى والمجنون اطارا دراميا استطاع من خلاله أن يشيد بناء دراميا متماسك الاركان وقد ساعده فى ذلك بنية النص الاطار الذى اعتمد فى بناءه على التشخيص لبعض اللحظات الدرامية من مسرحية احمد شوقى ( مجنون ليلى ) ليستبدلها الدرامتورج بنصين من نصوص الشاعر المسرحى صلاح عبد الصبور ( مسافر ليل ) و ( مأساة الحلاج ) محاولا رسم صورة ثلاثية الابعاد لما يطرحة من اشكالية داخل نصه ( ليلى ) .. وقد لعب الدراماتورج على استعراض ثلاث انماط رئيسية تجسد ابعاد تلك الاشكالية وتلك العلاقة شديدة التعقيد بين السلطة والرعية فالحلاج احد محاور تلك المعادلة هو هذا المنقذ الزاهد يتصدر المشهد للدفاع عن حقوق المقهورين ولكن الوعى الزائف والاعلام المضلل يصور الحلاج فى اعينهم شخص مارق ملحد لا يستحق العيش فيكونوا اداة السلطة فى الحكم عليه بالموت ليصبح الحلاج ضحية من دافع عنهم ليصدر لنا العمل تلك الاشكالية وخطورتها فى استلاب عقول العامة باعلام زائف ورجال دين هم يد تنفذ ما يملى عليهم من السلطة لا بما تمليه عليهم ضمائرهم وعلمهم .. اما المحور الثانى فهى تلك العلاقة المباشرة بين الحاكم والمحكوم والتى لا يشفع للمحكوم فيها طاعته و ولاءه للحاكم ولا ينقذه خنوعه واستكانته من مصيره الذى يرضى الحاكم فهو يرى انه يجب ان تفنى الرعية ليظل بقائه امن من اى عارض قد يطيح به من على كرسيه … اما المحور الثالث هو هذا الثالوث ليلى وسعيد و حسام لنرى علاقة المثقف الحالم بالوطن وان ما قد يقابله من قهر فى تاريخه هو ما يجعله غير قادر على الفعل رغم قناعته باهمية التغيير وان الحب الافلاطونى والكلمات الرنانه لن تقوده الا الى الهلاك ليبقى المنتفع وصاحب المصلحة هو الفاعل الحقيقى والذى يوجه الامور لما يساند مصالحه وبقاءه .. تلك الرؤية استطاع ياسر ابو العنين ان يضعها فى بناء درامى متماسك ساعده فى ذلك قدرة الشاعر الكبير على رسم وبناء شخوصه و الذى ساعد الدراماتورج على تضفير النصوص الثلاثة دون الحاجه للتدخل بالاضافة لصعوبة مجاراة الشاعر الكبير فى لغته او بناءه لصوره الشعرية مع احداث بعض التعديلات البسيطة التى لا تؤثر على بناء الجمل ولا البناء الدرامى لاحكام الربط بين النصوص الثلاثة فى بناء دائرى يرسخ لاستمرارية الاشكالية المطروحة واستمرار البحث عن حلول لها .
أما المخرج محمد طارق فقد حاول صنع معادل بصرى يؤكد ويضيف لهذا الطرح ساعده فى ذلك الرؤية التشكيلية لمصمم الديكور محمود عادل الذى صاغ عالمه التشكيلى على هيئة حانه ، خشبة المسرح تحولت الى بار فى العمق وخلفه بانوه صغير لحائط عليه رفوف وضعت عليها مجموعه من زجاجات الخمر أما المساحة الامامية فهى خاليه الا من منضدتين يحتلا يمين ويسار وسط المسرح تحيط بهم بعض المقاعد وقد شكل البار والمنضدتين على شكل اسوار بعوارضها المتراصه فوق بعضها تفصلها مساحات من الفراغ وقد ترك باقى مساحة خشبة المسرح فارغة سواء خلف التشكيل أو امامه لتصبح مفرداته التشكيلية فى تضاد مقصود مع موضوع العمل سواء الاطار الدرامى او التشخيص الموجود داخله .. هذا التضاد انتج المعنى بفساد المجتمع الدرامى الذى تدور به الاحداث وعدم نقائه وصعوبة اصلاحه واعادة تشكيله رغم رغبة بعض افراده والمشاركين فى فساده بتواجدهم فى هذا المناخ الا أن هذا السياج المكون للمنضدتين والبار تحول الى سور مانع من الفرار من هذا العالم ليوجد المبرر لبقائهم .. أما الملابس والتى صممها ايضا محمود عادل فجاءت وظيفية الا انها ورغم هذا كانت داله على العمق التاريخى للاشكالية التى يناقشها العمل بتلك الملابس الملائمة للفترة التاريخية التى تواجدت بها شخصية الحلاج .. الاضاءة ” لعز حلمى ” كانت احد العناصر التشكيلية الهامة فى العمل بما صنعته من تباين وتميز لكل لحظة درامية من لحظات العمل واعطاءها التأثير الضوئى واللونى المناسب لها والمؤكد للمعنى مع الاحتفاظ بحالة من الضبابية كانت هى الاطار العام للعمل للتأكيد على عدم وضوح الرؤية وغياب اى لحظة استشراف للمستقبل .. أما الحركة التى رسمها المخرج فقد قسمها لمناطق منها ما يخص التشخيص ومنها ما يخص الحدوته الاطار وقد عمد الى تداخل المناطق فى بعض لحظات العمل للتأكيد على وحدة الفكرة و وحدة المضمون دون احداث خلط او تشويش لدى المتلقى وان جاءت الحركه كلها تقليدية ولم تستغل كمفردة درامية داله .
الاداء الخاص بفريق العمل جاء هو الاخر تقليدى مصاحب ببعض الانفعال الزائد وان كان لهذا مبرره المقبول فى كون كل فريق العمل من طلاب جامعة بنها ودافعهم الاول فى هذا العمل هوالهواية وحب المسرح وهذا الامر يكون مقبول معه مثل تلك الملاحظات .. ولكن العمل فى النهاية يحمل من القيمة والمتعة الفنية الكثير بما يبشر بخير لمستقبل المسرح المصرى بشكل عام وهو ما يوجب التحية لكل صناع هذا العمل الفنى .
كتابة / طارق مرسى

 

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
error

انبسسطت ؟ ادعمنا بـ ليك وشير بقى

RSS
YouTube
YouTube
fb-share-icon
Instagram
WhatsApp
FbMessenger